لقد أصاب فيروس كورونا (المسمى رسميًا (COVID-19 حتى اليوم (آخر فبراير 2020) أكثر من 85000 شخص في 56 دولة على الأقلّ، وأدّى إلى وفاة ما يقرب من 3000 منهم. وقد اتّخِذت تدابير جادّة بل وغير مسبوقة في العديد من الأماكن، بما في ذلك عزل مدن بأكملها وإلغاء الكثير من الرحلات الجويّة والفعاليات العامّة.
الناس خائفون، وفي مثل هذه الحالات، تنتشر شائعات من جميع الأنواع بسرعة، مما يزيد من الارتباك والسلوك غير العقلانيّ. فمثلاً واحدة من أخطر الأفكار التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعيّ هي الفعالية (المزعومة) لبعض البذور وغيرها من العلاجات “التقليدية”.فيما يتجاهل آخرون الوباء ويهوّنون من أمره باعتباره أقلّ خطورة من الإنفلونزا مكتفين بتوصيتهم: “التزموا الهدوء، كونوا عقلانيًين، ودعوا العاصفة تمرّ”.
في مثل هذه الحالات تتجلّى أهمية الثقافة العلمية، أو المعرفة العلمية الأساسيّة، وهي الحدّ الأدنى من الثقافة التي يحتاج إليها جميع المواطنين من أجل التعامل مع عالم اليوم، حيث من المهمّ، بل مما يعدّ بالغ الحيوية، امتلاك المرء لبعض المعارف الأساسية والحقائق من مثل الفرق بين الفيروس والبكتيريا، وأيّ أنواع الإشعاعات تمثّل خطورة، وما الذي تحدثه التعديلات الجينية على الأحياء، وخصائص الفيتامينات واللقاحات، وغيرها من الموضوعات الحسّاسة.
فأنا ومنذ سنوات عديدة أنادي بنشر وترويج الثقافة العلميّة في منطقتنا من العالم ودراسة مدى توفرها. وفي حين أنّه تتم مثل هذه الدراسات بشكل منتظم ومكثّف في عدد من البلدان، معظمها في الغرب، ولكن أيضًا في بلدان مثل ماليزيا، فإنّ القليل جدًا، إن وجد، تم القيام به في هذا المجال في العالم العربيّ.
وبالفعل لقد كشفت أزمة فيروس كورونا عن افتقار الجمهور إلى المعرفة والفهم الأساسيّين حول الفيروسات والبكتيريا واللقاحات وتدابير الوقاية والعلاج، وما يتعلّق بذلك. لذا فأود أولا تقديم بعض المعلومات الأساسيّة في هذا الصدد.
أولا، ما هو الفيروس؟ إنه “عامل” بيولوجي يغزو خليّة ويتكاثر داخلها (يصنع نسخاً عديدة من نفسه) بوتيرة جد عالية. ولأنّ الفيروس لا يتكاثر من تلقاء نفسه، فإنّه عادةً لا يعتبر كائناً حيّاً. في المقابل، فإنّ البكتيريا هي كائن وحيد الخلية لا يحتوي على نواة ولكنه يتكاثر بالانقسام إلى خليتين جديدتين متطابقتين. الأهمّ من ذلك، هو أنّه يمكن قتل البكتيريا التي تغزو أجسادنا وأعضاءنا باستخدام المضادات الحيوية، ولكنّ هذه لا تنفع مع الفيروسات، التي يتمّ مواجهتها باستخدام الأدوية المضادة للفيروسات.
من المهمّ أيضاً معرفة أنّ نظام المناعة لدينا، وهو نظام معقّد من الخلايا والبروتينات الموجودة في أجسامنا، يكافح بشكل طبيعيّ الإعتداءات الخارجية والخطيرة، سواء كانت بكتيريّة أو فيروسية. إنه يتتبّع “الغزاة” السابقين ويحتفظ بسجل معلومات حولهم حتى يتمكّن من تدميرهم بسرعة وسهولة في المرّة التالية التي يغزون فيها أجسادنا. وهكذا تعافى ما يقرب من نصف الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس الكورونا هذا، فيما لا يوجد حتى الآن أيّ أدوية يمكن استخدامها بشكل فعال ضدّ COVID-19.
الآن، كيف يختلف فيروس الكورونا هذاعن الإنفلونزا (التي هي أشكال مختلفة من الفيروسات)؟ في الواقع، كلها فيروسات تهاجم نظامنا التنفسيّ (الرئتين، الحلق، الأنف، إلخ) وتنتج أعراضاً متشابهة (السعال والعطس والصداع، إلخ)، ولكن نادراّ ما تكون الإنفلونزا حادّة لدرجة تتطلب دخول المستشفى، في حين أنّ فيروس كورونا أكثر قوّة.
ولكن ما يربك الناس اليوم هو أن تقارير إعلامية كثيرة أفادت بأنّ الإنفلونزا تقتل عشرات الآلاف من الأشخاص كلّ عام. مثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية، أثّر موسم الإنفلونزا 2018-2019 على 35 مليون شخص، واستدعى ذلك مراجعة 490 ألف مصاب للمستشفيات، فيما توفي 34 ألف شخص.
وبالنظر إلى هذه الأعداد من المرضى والوفيات، يبدو فيروس كورونا وكأنّه كارثة أصغر بكثير. لكن عدد الوفيات بسبب الإنفلونزا نسبةً إلى حالات العدوى صغيرة جداً (0.1 في المئة)، وكذلك بالنسبة لمن اضطروا الى مراجعة المستشفيات (1.5 في المئة)، في حين أنّ معدّل الوفيات بسبب الكورونا يبلغ حوالي 3 في المئة ومعدّل الحالات التي تتطلّب دخول المشافي (الأعراض الشديدة) يتراوح بين 10 و 20 في المئة.
خلاصة القول والعبرة إذن هي أنّ فيروس الكورونا أقوى بكثير من الإنفلونزا، ولا تزال أعداد الوفيات بسببه أقلّ بكثير من أعداد الوفيات بالإنفلونزا فقط لأنّه، حتى الآن، تم احتواء الكورونا نسبيا. لكن إذا بدأ الفيروس (لا سمح الله) بالانتشار على نطاق أوسع وبسرعة في أرجاء العالم وصار وباءً عامّاّ، فإنّ افتقارنا لعلاج فعّال لحد الآن سيؤدّي إلى عواقب وخيمة (سواء في أعداد الوفيات أو المصاعب التي سيواجهها النشاط الاقتصاديّ ومجالات أخرى).
من المأمول أن يتمّ احتواء فيروس كورونا، وأنّ معظم الناس إما لن يصابوا به أو أن يتغلّب عليه نظام المناعة لديهم بنجاح. في هذه الحالة، سوف يتباطأ الانتشار وستهدأ الأزمة وتتلاشى في غضون بضعة أشهر. لكن في هذه الأثناء، يجب على الجميع اتّباع إرشادات النظافة الأساسيّة لمنع حدوث مزيد من العدوى: غسل اليدين مراراّ بالماء والصابون لمدة 20 ثانية على الأقلّ في كلّ مرّة؛ عدم لمس العينين والأنف والفم بأيدٍ غير مغسولة؛ تجنّب لمس الأشخاص الذين تظهر لديهم أعراض العدوى المميّزة؛ تنظيف وتطهير الأشياء والأسطح التي يلمسها كثير من الناس بشكل متكرّر، إلخ.
عودةً إلى أهمية الثقافة العلميّة بشكل عام، وفي مثل هذه الحالات على وجه الخصوص، أدعو الخبراء (الأطباء والبيولوجيين والعلماء) في منطقتنا إلى المشاركة بشكل أكبر في الجهود التي يجب بذلها لتعليم وتثقيف الجمهور. إذ بالتأكيد يمكننا قضاء بضع دقائق يوميًا على ”تويتر” أو “فيسبوك”، أو ساعة واحدة في الأسبوع على “يوتيوب” أو الوسائط الأخرى، لنشر المعلومات الصحيحة وتبديد المفاهيم الخاطئة، فذلك ليس فقط دورنا كعلماء ومعلّمين وأعضاء ناشطين في المجتمع والعالم، بل مسؤوليتنا في مثل هذه الظروف الحرجة.
نضال قسوم باحث في فيزياء الفلك ،أستاذ بالجامعة الأمريكية الشارقة