لعبة نهاية المناخ
مع ارتفاع درجات حرارة الأرض والظواهر المناخية الأخرى الناتجة عن زيادة الانبعاثات الحرارية، حث فريق من الباحثين العالم على الاستعداد لأسوء سيناريو على الإطلاق وهو انهيار عالمي أو حتى انقراض البشرية.
وأعلن الفريق عن أسباب كثيرة للشك في أن تغير المناخ، وفيه "الخطر غير المكتشف" في الوقت الحاضر، قد يؤدي الى كارثة عالمية، وهو أمر غير مستبعد في سياق النقاشات المتعلقة بالانقراض الجماعي السادس للأنواع على الأرض. ولم ينس العلماء في ورقتهم العلمية بعنوان: لعبة نهاية المناخ: استكشاف سيناريوهات تغير المناخ الكارثية، الإشارة الى ان تغير المناخ (سواء إقليمياً أو عالمياً) لعب دوراً كبيراً في انهيار أو تحول العديد من المجتمعات السابقة وكذلك في كل من أحداث الانقراض الجماعي الخمسة في تاريخ الأرض وكان الخامس قبل حوالي 65 مليون عام.
ينطلق العلماء من أربعة أسئلة أساسية للبحث عن أسباب ما يهدد البشرية. أولا: ما هو احتمال أن يؤدي تغير المناخ إلى أحداث الانقراض الجماعي؟ ثانياً: ما هي الآليات التي يمكن أن تؤدي إلى الوفيات والاعتلال الجماعي البشري؟ ثالثاً: ما هي نقاط ضعف المجتمعات البشرية أمام تعاقب المخاطر الناجمة عن تغير المناخ، مثل الصراع وعدم الاستقرار السياسي والمخاطر المالية النظامية؟ رابعاً: كيف يمكن لهذه السلاسل المتعددة من الأدلة – الى جانب الأخطار العالمية الأخرى التي يمكن تجميعها بشكل مفيد، المساعدة في "تقييم متكامل للكوارث"؟
إلى يومنا الحاضر، تركز الأبحاث على الأثار المناخية التي ستترتب عن ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجة ونصف درجة مئوية الى درجتين مئويتين بحلول نهاية 2100. في الحالة الأولى سيتعرض حوالي 14 في المئة من سكان الأرض لموجات حر شديدة مرتين كل عقد على الأقل، وسيقفز هذا الرقم الى 37 في المئة حين تلامس درجة الحرارة درجتين مئويتين. وفي ظل هذا السيناريو الثاني سيتعرض ما يقارب نصف مليار انسان في جميع أنحاء العالم لموجات حرارة شديدة تهدد الحياة وتتسبب بنقص المياه وازدياد الفيضانات الساحلية ونشوب الحرائق واختفاء الشعاب المرجانية، ناهيك بخسارة أكثر من 40٪ من الأنواع.
الفرسان الأربعة
وتظهر هذه الدراسة الجديدة والصادمة، أن العالم بحاجة إلى الاستعداد لانقراض البشرية بسبب تغير المناخ. ويقول العلماء المشاركون في كتابة الدراسة بقيادة أكاديميين في جامعة كمبريدج، "إن ظاهرة الاحتباس الحراري يمكن أن تصبح "كارثية" للبشرية إذا ارتفعت درجات الحرارة بأكثر مما هو متوقع"، ذاك ان الحرارة العالية مصحوبة بسلسلة غير متوقعة من الأحداث في الطبيعة، الأمر الذي يفرض على الناس الاستعداد لسيناريوهات مخيفة تتراوح الخسائر التي ستستنج عنها بين فقدان 10٪ من سكان العالم إلى نهاية الحياة البشرية على الأرض. ويشير تقييم العلماء الى ان حرارة الأرض، حتى ولو تم الوفاء بجميع التعهدات الدولية، بما فيها اتفاقية باريس/2015، لخفض الانبعاثات، فسوف ترتفع بمقدار 1.9 الى 3 درجة مئوية بحلول عام 2100. أما إذا استمرت اتجاهات الانبعاثات الحالية للغازات الدفيئة، فسيكون نطاق حرارة الأرض بين 2.1 الى 3.9 درجة مئوية. أي ان البشرية تواجه ضعفي الحرارة الحالية على الكوكب.
لا يتعلق الأمر بالسخونة العالية وسبل الحماية منها فقط، بل بمجموعة آثار أخرى ناتجة عنها يسميها العلماء بـ"الفرسان الأربعة" في نهاية اللعبة المناخية وهي: المجاعة، سوء التغذية، الطقس القاسي، والصراع والأوبئة. يقضي ارتفاع درجات الحرارة على المحاصيل في أكثر المناطق الزراعية خصوبة في العالم، كما يمكن أن يتسبب في تفشي أمراض جديدة مميتة جراء تغير وتقلص الموائل لكل من البشر والحيوانات. وتضاف الى كل ذلك، تهديدات أخرى ستعجل التهديدات المذكورة وتضاعفها مثل تفاوت عدم المساواة، المعلومات الخاطئة، انهيار الأنظمة الديمقراطية، وحتى الأشكال الجديدة من أسلحة الذكاء الاصطناعي المدمرة.
وهذا ما ذهب اليه تماماً، عالم الفيزياء الأمريكي غودرون ماكدونالد قبل أكثر من نصف قرن (1968) حيث لم يستبعد احتمالات حروب جيوفيزيائية والتلاعب ببيئة الأرض عبر تقنيات متقدمة. وكتب ماكدونالد حول هذه الخطورة: من بين الوسائل المستقبلية لتحقيق الأهداف الوطنية بالقوة، يتوقف أحد الاحتمالات على قدرة الإنسان على التحكم في بيئة كوكبه والتلاعب بها. وستزود قوة السيطرة على البيئة، الإنسان بقوة جديدة قادرة على إحداث ضرر كبير وعشوائي. إن فهمنا البدائي الحالي للتغيير البيئي بفعل فاعل حسب غوردون ماكدونالد يجعل من الصعب تخيل عالم تُمارَس فيه الحرب الجيوفيزيائية، انما قد تحل أسلحة الدمار الشامل البيئية، محل الأسلحة النووية.
واحد في المئة مرتفع للغاية
أن حدوث كارثة عالمية تؤدي الى انقراض البشر في القرن المقبل، ولو بنسبة 1٪، أمر مرتفع للغاية، ولكن بحسب ما يذهب اليه العلماء هناك خطر "المخاطر المركبة" مثل الإعصار المدمرة للبنى التحتية للكهرباء، الأمر الذي يترك السكان عرضة لموجة حر قاتلة تلي الإعصار والدمار.
كما يستخدم الباحثون مثال آخر يسمونه بخطر "المجهول غير المعروف"، أي نقاط التحول التي تؤدي الى نتائج مناخية لا رجعة فيها.
ولا يمكن التنبؤ بها بعد. على سبيل المثال إذا تسببت تركيزات ثاني أكسيد الكاربون العالية باختفاء السحب الطبقية، ترتفع درجة حرارة العالم فجأة بنحو 8 درجات مئوية. وتتشكل هذه السحب في الأساس من ضباب الأرض الصباحي أو عبر الهواء البارد الذي يتحرك على ارتفاعات منخفضة.
وتُظهر النماذج حرارة شديدة، حيث يصل الزئبق إلى أكثر من 84 درجة فهرنهايت في يوم عادي، ويمكن أن يؤثر على ملياري شخص بحلول عام 2070. وليست المناطق المكتظة سكانياً المتضررة فقط جراء ذلك، بل المناطق الأكثر هشاشة من الناحية السياسية والبنى التحية أيضاً. وفي السياق ذاته يشير (تشي شو) وهو واحد من مؤلفي الدراسة الى ان هناك دولتان مسلحتان نووياً ستتعرضان لمثل هذه الحرارة في غضون أقل من نصف قرن (الهند وباكستان) ناهيك بعمل 7 مختبرات تحتوي على بعض أكثر مسببات الأمراض خطورة في العالم في درجات الحرارة الشديدة ذاتها.
المؤلف الرئيسي للدراسة لوك كيمب وهو من مركز كامبريدج لدراسة المخاطر الوجودية، يرى بأن الارتفاعات الشديدة في درجات الحرارة "لم يتم استكشافها بشكل كاف مقارنة باحتمالية حدوثها". ويعود سبب الاكتشاف الناقص برأيه الى ان العلماء في تحليلاتهم ومقارناتهم لتقارير المنبر الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ IPCC، قد ركزوا بدل الاحترار المرتفع على درجات الحرارة المنخفضة وبشكل متزايد.
"نحن لا نعرف سوى القليل عن السيناريوهات الأكثر أهمية" يقول كيمب. أما زميله والمشارك في كتابة الدراسة يوهان روكستروم، مدير معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ، فيشير الى ان المزيد من المعرفة عن كيفية عمل كوكبنا، يزيد سبب القلق، ذلك ان كوكب الأرض برأيه "كائن حي أكثر تطوراً وهشاشة، يجب أن نحسب الكارثة من أجل تجنبها".
إدارة ساذجة.. حماقة قتلة
يحدد مؤلفو الدراسة أربعة أسباب رئيسية مقلقة بشأن احتمالية حدوث كارثة مناخية عالمية وهي كالتالي:
أولاً: دور المناخ تاريخياً (على المستوى الإقليمي والعالمي) في انهيار الحضارات والمجتمعات وإعادة صياغة التاريخ، ناهيك بالدور الذي لعبه في الانقراضات الجماعية الخمسة العظمى في تاريخ الأرض. ويحدث نبض الكربون الحالي بسرعة جيولوجية غير مسبوقة، وقد يتجاوز بحلول نهاية القرن، العتبات التي تسببت في انقراضات جماعية سابقة. أسوأ السيناريوهات الواردة في تقرير IPCC بحلول القرن الثاني والعشرين، تتوقع نفس درجات الحرارة التي سادت آخر مرة في أوائل عصر الأيوسين بعد الانقراض الخامس بـ 10 مليون سنة، مما أدى إلى عكس 50 مليون سنة من المناخات الأكثر برودة في غضون قرنين من الزمان.
ثانياً: يمكن أن يؤدي تغير المناخ مباشرة إلى مخاطر كارثية أخرى مثل الصراع الدولي، تفاقم انتشار الأمراض المعدية وانتشار المخاطر؛ ويمكن ان يشكل كل ذلك مضاعفات قوية للتهديدات الشديدة (المذكورة هنا).
ثالثاً: يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم نقاط ضعف كثيرة ويسبب ضغوطاً متعددة غير مباشرة مثل الأضرار الاقتصادية، فقدان الأراضي، المياه وانعدام الأمن الغذائي. وتتحد كل هذه العوامل في حالات فشل متزامنة على مستوى النظام. يذكر ان الأزمات العالمية تميل إلى الحدوث من خلال "إخفاقات متزامنة" تنتشر عبر البلدان والأنظمة، كما كانت الحال مع الأزمة المالية العالمية 2007-2008. من المعقول أن يؤدي التحول المفاجئ في المناخ إلى فشل الأنظمة وتفكك المجتمعات في جميع أنحاء العالم. وستظل الدول والمجتمعات الأكثر ضعفاً هي الأكثر تضرراً في عالم يزداد سخونة، مما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة. باستخدام السيناريو المتوسط المرتفع للانبعاثات والنمو السكاني، من المتوقع أن يعيش حوالي 2 مليار شخص في المناطق شديدة الحرارة بحلول عام 2070.
تزامناً مع كل ذلك، يمكن أن تؤثر الحرارة القصوى مع الرطوبة العالية سلباً على إنتاجية عمال خارج المباني ومحاصيل الحبوب الرئيسية. كما يمكن أن تؤثر ظروف الحرارة المميتة هذه بشكل كبير على المناطق المأهولة بالسكان في جنوب وجنوب غرب آسيا.
رابعاً وأخيراً: قد يقوض تغير المناخ بشكل لا رجعة فيه، قدرة البشرية على التعافي من كارثة أخرى، مثل الحرب النووية؛ أي أنه يمكن أن يخلق مخاطر كامنة كبيرة. ان التأثيرات التي يمكن التحكم بها للكارثة خلال أوقات الاستقرار، تصبح كارثية عند الاستجابة لها بعد حدوثها. جميع هذه الأسباب المختلفة والمثيرة للقلق مترابطة ويجب فحصها معاً.
دفعت كل هذه الأسباب مجتمعة، كتاب الدراسة للاعتقاد بأن تغير المناخ يمكن ان يصبح كارثياً حتى عند المستويات المتواضعة من الاحترار. وبسبب الأسباب ذاتها يدعون المنبر الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ إلى إعداد تقرير عن تغير المناخ الكارثي في محاولة لتحفيز البحث وإعلام الجمهور بشكل أفضل، ذلك إن مواجهة مستقبل تسارع تغير المناخ مع البقاء متعامياً عن أسوأ السيناريوهات، هو إدارة ساذجة للمخاطر في أحسن الأحوال وحماقة قاتلة في أسوأ الأحوال.
خالد سليمان كاتب وصحفي عراقي، متخصص بشؤون البيئة والمناخ