جازان ومستقبل مياه الأمطار: تحليل علمي لظاهرة البحيرات الموسمية وحلول مستدامة


الثلاثاء 15 يوليو 2025
جازان ومستقبل مياه الأمطار:  تحليل علمي لظاهرة البحيرات الموسمية وحلول مستدامة

د. هبة عبد المطلب أحمد

دكتوراه في الهندسة البيئية - جامعة عين شمس
خبيرة في الهندسة البيئية ونظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد
تعمل حاليًا استشارية بيئية وهيدرولوجية بالرياض.

 

 

بحيرات جازان الموسمية: خطر يتجدد كل عام

تمتاز منطقة جازان في جنوب غرب المملكة العربية السعودية بتضاريس جبلية وساحلية تجعلها عرضة لتجمعات المياه الناتجة عن الأمطار الموسمية. وعلى الرغم من أن هذه البحيرات قد تبدو نعمة بيئية لتغذية المياه الجوفية، فإنها في الواقع تمثل تحديًا كبيرًا؛ من الفيضانات وتدهور التربة إلى انتشار الأمراض الوبائية الناتجة عن ركود المياه.

 

التكنولوجيا في خدمة البيئة

بفضل تقنيات الاستشعار عن بعد وصور الأقمار الصناعية ونماذج الارتفاعات الرقمية، بات بالإمكان رصد وتحديد مواقع تجمعات المياه بدقة عالية، وتحليل تطورها عبر الزمن. في الدراسة التي قمتُ بها، تم استخدام بيانات القمر الصناعي  Landsat 8  ومؤشر الغطاء المائي NDWI لتحديد المسطحات المائية بين عامي 2013 و2025، مما كشف تغيرات واضحة في توزيع وتوسع البحيرات.

 

ماذا تخبرنا الأمطار؟

تحليل بيانات الأمطار الممتدة لأكثر من قرن أظهر زيادة في شدة الهطول، مع احتمالية تكرار عواصف مطرية قوية كل 5 إلى 25 سنة. كما تم استخدام برنامج Gumbel لتقدير القيم التصميمية للأمطار، مما أتاح تصميم أنظمة تصريف تعتمد على بيانات حقيقية وليست مجرد افتراضات.

 

تحليل تضاريسي وهيدرولوجي دقيق

تم دمج بيانات نموذج الارتفاع الرقمي (SRTM) مع نظم المعلومات الجغرافية (GIS) لتحديد مناطق الانخفاض التي تتشكل فيها البحيرات، وتقييم قابلية الأرض لامتصاص المياه. كما تم استخدام برنامج HEC-RAS لمحاكاة مسارات الجريان السطحي، وتصميم قنوات لتصريف المياه بشكل طبيعي أو صناعي.

 

حلول واقعية ومستدامة

الدراسة أوصت بإنشاء قنوات تصريف مفتوحة توجه المياه من البحيرات نحو وادٍ رئيسي يمتد من اليمن إلى البحر الأحمر، ما يتيح تصريفًا طبيعيًا بفعل الانحدار التضاريسي. كما اقترحت الدراسة إمكانية استخدام المضخات في بعض المواقع ذات التضاريس الوعرة، وأهمية تعزيز القنوات الطبيعية وربطها بشبكات صرف حضرية حديثة.

 

نحو إدارة مستدامة للمياه

البحيرات الموسمية في جازان ليست مجرد ظاهرة عرضية، بل مؤشر لتغيرات مناخية وبشرية متسارعة. التعامل معها يتطلب دمج العلم بالتخطيط العمراني، وتفعيل نظم الإنذار المبكر، وتطوير مشاريع حصاد مياه الأمطار وتغذية الخزانات الجوفية. التقنية وحدها لا تكفي ؛ نحتاج إلى إرادة وتنفيذ ومتابعة.