الزراعة الحراجية في تونس: حل مستدام في وجه التصحر وتدهور الموارد الطبيعية


الخميس 4 سبتمبر 2025

الزراعة الحراجية في تونس: حل مستدام في وجه التصحر وتدهور الموارد الطبيعية

“رجعت نحب الأرض… رجعت نفيق بكري باش نخدمها…خاطرها جزء من قلبي”، يقول عبد الرحمان ، فلاح أربعيني أصيل معتمدية نفزة التابعة لولاية باجة، وهو يمرر يده على جذع شجرة الزيتون. يبتسم بفخر وهو يروي كيف أعادت الزراعة الحراجية الحياة إلى أرض كانت جافة ومتآكلة، وكيف صارت اليوم تظللها الأشجار وتحتمي بين أغصانها الطيور.

ما كنتش نتصور أن المزج بين الأشجار والمحاصيل ممكن يعطي هذا الخير” بالنسبة لعبد الرحمان، لم تكن الزراعة الحراجية مجرد تقنية، بل عودة إلى الجذور وبداية أمل جديد.”

في نفزة، كما في العديد من مناطق الشمال الغربي التونسي، بدأ مشهد الحقول يتغير. مساحات كانت قاحلة صارت اليوم تتوشح بخضرة أشجار الزيتون والبلوط والصنوبر، تتخللها محاصيل موسمية تحميها الظلال وتحافظ على رطوبة التربة. هنا، لم تعد الأرض مجرد مصدر رزق، بل شريك حياة، والفلاحون صاروا يروْن في كل غرسة استثمارًا للمستقبل، لا للموسم فقط.

 

 graphique-2.png

هذا التحول لم يأتِ صدفة، بل كان ثمرة برامج تدريبية ومبادرات محلية ودعم من منظمات بيئية، هدفت إلى نشر تقنيات الزراعة الحراجية كأداة لمواجهة التصحر وشح المياه.

“مع تزايد حدة التغيرات المناخية، وما يرافقها من موجات جفاف متكررة، وتراجع خطير في خصوبة التربة، أصبحت تونس، كما العديد من بلدان العالم، تواجه تحديات تهدد أمنها الغذائي واستقرارها الاجتماعي والاقتصادي. وفي ظل محدودية الموارد وندرة المياه، تُطرح الزراعة الحراجية (Agroforestry) كأحد الحلول العلمية والعملية التي تُعيد التوازن للنظام البيئي الزراعي، وتُمهّد لنهج تنموي أكثر استدامة.

بالعودة إلى الأرقام، فإن أكثر من 75% من الأراضي التونسية مهددة بالتعرية والتصحر، خصوصًا في الشمال الغربي والوسط الغربي وفقًا للمعهد الوطني للبحوث الزراعية (INRAT). وتشير بيانات وزارة الفلاحة (2024) إلى أن فقدان الغطاء النباتي ارتفع بنسبة 30% خلال العقد الأخير.

ما هي الزراعة الحراجية؟ (Agroforestry)

 الزراعة الحراجية هي نظام زراعي متكامل يدمج الأشجار الغابية والشجيرات ضمن الإنتاج الزراعي التقليدي (محاصيل أو تربية ماشية) على قطعة الأرض ذاتها، بما يخلق تنوّعًا بيولوجيًا وتكاملًا وظيفيًا بين مكوّنات المنظومة: جذور الأشجار تثبت التربة وتحميها من الانجراف لانها تثل مصدات للرياح، أوراقها المتساقطة تتحول إلى سماد طبيعي، وظلالها تقلل تبخر المياه وتحافظ على الرطوبة، ما يجعل الأرض أكثر قدرة على مواجهة الجفاف.

graphique-1.png

في هذا الاطار أفاد الأستاذ والباحث في علوم الغابات بمعهد الغابات و المراعي بطبرقة فؤاد الحسناوي أن نظام الزراعة الحراجية يُصنَّف ضمن المنظومات المتكاملة التي تحاكي في بنيتها ووظائفها المنظومات البيئية الطبيعية، حيث تقوم على المزج المدروس بين الأشجار، والمحاصيل الزراعية، وتربية الحيوانات في فضاء واحد، بما يخلق توازنًا بيئيًا ويعزّز تنوّعًا حيويًا غنيًا. هذا النموذج لا يقتصر على إنتاج الغذاء أو الخشب فحسب، بل يسهم أيضًا في إعادة إحياء التربة، والحد من انجرافها، وتنظيم المياه، وامتصاص الكربون، وهو ما ينعكس مباشرة على تحسين معيشة الإنسان وتوفير موائل طبيعية للحيوانات والطيور والكائنات الدقيقة. ويؤكد الباحث أن الزراعة الحراجية بهذا المفهوم تمثل جسرًا بين احتياجات الإنسان الاقتصادية والمعيشية، ومتطلبات الحفاظ على النظم البيئية الطبيعية وصون خدماتها الحيوية على المدى الطويل.

و من جهتها اوضحت غادة قرطاس عن جمعية  les amis de CAPTE (CAPTE  تعني مجموع الفاعلين من اجل الغراسات و الانتقال البيئي) أن الزراعات الحراجية  “l’agroforesterie” “نموذجا فلاحياً مستداما يمكن تبنيه في تونس ودمجه في المستغلات الزراعية.اذ يقوم هذا النظام على تنويع الغطاء النباتي في نفس الرقعة الأرضية، حيث تتعايش الأشجار والشجيرات مع النباتات والخضروات، إلى جانب إمكانية إدماج تربية الحيوانات بطريقة تخلق تفاعلات مفيدة بيئيا وإقتصاديا.

و أكدت غادة قرطاس أن هذا النموذج لا يساهم فقط في تنويع الإنتاج واستغلال الأرض طيلة السنة، بل يُعد حلًا فعّالًا لمجابهة التغيرات المناخية، إذ تساعد الأشجار على حماية التربة من الانجراف، وتوفير الظل، وتحسين خصوبتها، فضلًا عن دورها في ترشيد استهلاك المياه.

كما أضافت أن الزراعات الحراجية تعزز من التنوع البيولوجي، من خلال خلق نظام بيئي غني ومتوازن داخل الحقل، مما يساهم في مقاومة الآفات بشكل طبيعي، ويُعيد إحياء العلاقة المتوازنة بين الإنسان والطّبيعة.